التطور الفني والتقني للصحافة

المقدمة
تعد الصحافة الوسيلة الاعلامية الاولى التي حصلت البشرية من خلالها على الاخبار والمعلومات والافكار واسهمت خلال عمرها بأحداث تحولات في حياة الناس والمجتمعات والدول ويرجع الفضل في وجود\ هذه الوسيلة الى اختراع الطباعة (1)، وظهرت الصحافة المنتظمة في ايطاليا اولا في القرن السادس عشر وجاءت بعدها فرنسا وانكلترا عام 1630 .
اما في الوطن العربي فتعد مصر اول دولة عربية عرفت الصحافة وذلك على يد الفرنسيين الذين جاءوا بماكنات الطباعة معهم ، واصدر نابليون جريدة ( كوربيه ديلجنت ) عام 1798، وانشأ محمد علي مطبعة بولاق واصدر جريدة الوقائع المصرية عام 1828، ثم توالى صدور الصحف المصرية فأسس سليم وبشارة تقلا جريدة الاهرام عام 1875 (2) .
وعرف العراق الصحافة حين امر الوالي التركي مدحت باشا باصدار صحيفة الزوراء عام 1869 وكانت اسبوعية تحرر بالعربية والتركية  (3) ، وبنظرة على تاريخ التطور الفني والتقني للصحافة نرى انه بعد دخول صناعة الورق بدء من القرن التاسع عشر تحت تأثير الثورة الصناعية ازداد حجم الصحف وانتشارها (4) ، ففي عام 1900 كانت طباعة معظم الصحف بماكينات اللينوتايب والانترتايب مما جعلها قادرة على زيادة صفحاتها في مدة اقصر واسرع من قبل ، ثم اخذت الصحف تجمع موادها بواسطة البرق تلغرافيا حيث ترسل نسخة من العدد الاصلي بالبرق ليتم طبعه في مدينة اخرى مما امكن الحصول على نسخ مماثلة من المضمون نفسه لنفس الصحيفة الاصلية (5)،وشهد عام 1906 الطبع بطريقة الاوفسيت الجديدة التي لها مزايا عما قبلها من حيث قلة الكلفة والجودة الافضل ، وفي عام 1913 ظهر جهاز التلي برنتر وهو جهاز طابعة يعمل على نقل وطباعة الاخبار عبر الخط اللاسلكي وقد احدث هذا الجهاز قفزة مهمة في عملية طباعة الصحف (6). وتطورت اجهزة وماكنات الطباعة في العالم وخصوصا بعد النصف الثاني من القرن العشرين لتشهد ولادة اجيال من ماكنات الطباعة الحديثة ذات المزايا الجديدة التي ساهمت في طبع واخراج الصحف بحلة ارضت القراء بشكل جعل منها اداة مهمة في الحياة اليومية ، وبظهور التقنيات الحديثة وفي مقدمتها الحاسب الالكتروني الذي اصبح عنصرا مهما في جميع مناحي الحياة كانت الصحافة اول من اخذ بمميزات الحاسب واستفادت منه في عملها الفني والاخراجي وكان الصحفيون من اوائل الفئات التي استفادت من الحاسب الالكتروني في الاطر المختلفة التي تعمل من خلالها صناعة الصحافة وذلك عبر ثلاث مسارات رئيسية تشمل عمليات الانتاج الطباعي وعمليات انتاج النص الصحافي بأشكاله المختلفة الى جانب عمليات الانتاج المعلوماتي التي تكمل سائر العمليات المذكورة وتجمع صناعة الصحافة في كافة مراحلها على منصة الحاسب الالكتروني (7).
 وقد تعرضت الصحافة لمواجهة ومجابهة الوسائل الاعلامية الاخرى التي توالت تباعا بالظهور وتعالت العديد من الصيحات بان الوسائل الجديدة سوف تحدث تأثيرا بمكانة ووجود الصحافة ، الا ان الصحافة استطاعت من تطوير نفسها وتغيير خططها ومحتواها لتصبح اكثر فاعلية مع الجمهور (8).
وتاريخ الصحافة تاريخ لمكونات وعناصر كثيرة اشتركت معا لتخرج بالصحافة والصحف بأبهى صورة واكثر تأثيرا بالجمهور ووظائف اكثر تلامسا مع احتياجات الناس والرأي العام ، كما ان الصحافة تتمتع بمميزات اعطتها القدرة على الاستمرار في ظل مواجهة الوسائل الاعلامية الاخرى ، فنستطيع مثلا قراءة الصحيفة عدة مرات باليوم بسهولة ويسر فضلا عن اعتبارها وثيقة يمكن الركون اليها في وقت من الاوقات وايضا وهذا رأينا ان لسحر الورق وملامسة الاصابع له فضلا عن الرائحة المنبثقة من الصحيفة ورؤية العناوين والاخبار وطريقة طباعتها فضلا عن الالوان والاخراج والتصميم الذي يلامس العين والروح يجعل من الصحافة لها جمهورها المتميز الذي لن يرضى بديلا عنها رغم تطور وسائل الاعلام الاخرى .

الصحافة التقليدية في حلتها الجديدة
تشكل وسائل الاعلام وقنوات البث في العالم مجموعات ذات وزن كبير في حقل الصناعة الثقافية ، ومع دخول العالم الثورة الخامسة للاتصال وهي ما تعرف بالثورة التفاعلية بدأت مرحلة جديدة في عالم الصحافة اسوة ببقية وسائل الاتصال الاخرى ، هذه الثورة اعتمدت على التقنيات الحديثة وظهور العديد من الاختراعات والمكتشفات لأجهزة اتصالية جديدة وضعت رؤية جديدة للإعلام التقليدي وبدأت تضعه في طريق الاعلام الجديد . لقد عرفت الصحافة خلال النصف الثاني من القرن العشرين تغيرات هامة وجذرية تمثلت خاصة في تحولها التاريخي من صحافة موجهة الى النخبة الى اندماجها في ما اصبح يعرف بالاتصال الجماهيري ، لكن هذا التغيير لم يصحبه تغير كبير في المعايير والقيم والتقنيات التي تأسست عليها مهنة الصحافة ، الى ان حصلت الثورة الرقمية التي ثورت قواعد النشاط الصحفي من خلال عرض تقنيات البحث وعرض الاخبار وتطور العلاقة بين الصحفي والقارئ واعادة التنظيم الصناعي والتجاري للمؤسسات الصحفية ، فمع  الثورة الرقمية وتبني الصحافة للمعلوماتية تمثلت وسائل الاعلام التقليدية اكثر من غيرها دورها الاصلي وهو العمل الفكري الجماعي والتفاعل بين مهن عديدة دون نسيان انتاج معين يضفي على الاعلام خصوصيته .(9)

الصحافة الالكترونية والمطبوعة واتساع دور الانترنت
منذ ظهور شبكة الانترنت في العالم كوسيلة اتصال وهي اخذت على عاتقها اعادة توزيع القوة من منتجي الاخبار الى مستهلكيها وخلق نموذج جديد في الاعلام يتيح لكل شخص ان يصبح صحفيا او قائما بالاتصال بتكلفة قليلة ، وجاءت الافادة للصحافة من الانترنت على الامور التالية : (10)
-         كوسيط نشر نسخ من الصحيفة المطبوعة .
-         اداة فعالة في التغطية الصحفية .
-         وسيط لأطلاق صحف الكترونية على الشبكة .
-         وسيط لأنشاء مواقع صحفية جديدة لا تقدم نسخة الكترونية من الصحيفة ولكن تقدم خدمات اعلامية متكاملة ومتعددة الوسائط .
-         في عملية تسويق الصحيفة .
-         في التفاعل المستمر مع القراء من خلال المنتديات والشبكات الاجتماعية .
وانتقلت الصحافة من مرحلة الوسائل التقليدية الى الوسائل الجديدة المستعينة بالأنترنت والحاسبات والمتسمة بالتفاعلية واللاجماهيرية والفورية والى وسائل المواطن المعتمدة على المشاركة في بناء المحتوى وتعديله وتطويره ونشره وتبادله، كما استفادت الصحافة من تقنيات الهاتف المحمول من خلال تقديم خدمات اخبارية او مواد اعلامية او خدمية او ترفيهية ، ودخلت الصحافة الى عصر الاندماج او التقارب مع الوسائط الاخرى من حيث الانتاج المتكامل في اساليب جمع الاخبار وتقارب المحتوى ووجود المهنيين متعددي المواهب فضلا وجود الجمهور النشط المتفاعل معها .
وظهرت اول الاشكال البديلة للصحافة الورقية من الناحية التكنولوجية عام 1994 عندما بدأت نشر نسخ الكترونية Online Editions على الانترنت بدون تعديل ، وفي اواخر التسعينات بدأت المؤسسات الصحفية في اطلاق صحف الكترونية على الانترنت مثل Online Newspapers مستفيدة من امكانيات الشبكة المختلفة كتعددية الوسائط والتفاعلية والمشاركة ، ومع بداية الالفية الثالثة تم تطوير موقع الصحيفة على الانترنت ليصبح شكلا اعلاميا جديدا يقدم خدمات اعلامية واعلانية جديدة الى جانب النشر الصحفي مع اشراك القراء في عملية انتاج الصحيفة وتحديث موادها (11) .
وكان للمميزات الصحافة الالكترونية الاثر الكبير في انتشارها عبر الانترنت حتى ان جميع الصحف اليومية الصادرة في العالم اتخذت لها نسخة الكترونية بسبب هذه المميزات ومنها (12) :
-         النقل الفوري للأخبار ومتابعة التطورات للأحداث .
-         اختراق الحدود والقارات والدول دون رقابة .
-         قلة التكاليف المالية بمثيلتها الورقية .
-         التمويل من خلال الاعلانات  .
-         الحصول على احصائيات دقيقة لزوارها .
-          التفاعلية مع زوارها ومستخدميها .
-          وجود الارشيف الالكتروني .
-         ايجاد نوع من الصحفيين المعاصرين الملمين بالإمكانات التقنية وشروط الكتابة على الانترنت .
-         انشاء صحف متعددة الابعاد وذات احجام غير محددة نظريا بعد ان كان الصحفيون يعانون من مشكلة المساحة الصحفية المخصصة لهم .
-         التحكم بالأبواب بالتقديم والتأخير والابقاء والالغاء .

الصحافة الالكترونية العربية
مرت الصحافة العربية بمراحل تطورت بواسطتها الى الشكل الفني والمهني التي هي عليه الان وهذه المراحل هي(13) :
1-    مرحلة النشر عن طريق الاقراص المدمجة كما هو في صحيفة الحياة عام 1995 واطلق عليه ارشيف الحياة الإلكترونية . وتبعتها عام 1997 صحيفتا السفير والنهار اللبنانيتان ثم الاهرام والشرق الاوسط عام 1998 .
2-    مرحلة اصدار النسخ الالكترونية .
3-    مرحلة اصدار الصحيفة الالكترونية من خلال انطلاق تجربة صحيفة الجريدة في ابو ظبي عام 2000وصحيفة ايلاف عام 2001 وهما نسختان الكترونيتان دون نسخة ورقية .
كما استفادت الصحافة وبشكل كبير من وجود الوسائط المتعددة في الصحافة الالكترونية وهي ( النص والصوت والصور الرقمية  والرسوم المتحركة والفيديو ، وكانت الاستفادة في التطور الفني للصحيفة الالكترونية من خلال الاتي (14) :
1-    وجود النص الالكتروني المقروء على شاشة الحاسوب والذي يمكن من خلال برامج تعديله او تكبير حجمه او تلوينه او ثني النص او ميل النص او مده او اضافة الظل له او معالجة اخطائه اللغوية وبالتالي وضعه في عدة قوالب شكلية تتناسب مع مظهر الصحيفة .
2-    اضافة الصوت من خلال ملفات الموسيقى الرقمية او كارتات الصوت او موسيقى MP3 وتخزينه ليصاحب الاخبار والموضوعات .
3-    وجود الصور التي تلعب دورا كبيرا في الاخبار والموضوعات للصحيفة اذ يتم الاعتماد عليها لشرح الافكار او لعرض المعلومات او لزيادة متعة المشاهدة وهي احيانا تغني عن العديد من الصفحات المكتوبة ، وتستخدم الصور الصغيرة والمتوسطة والكبيرة الحجم الملونة منها والعادية الثابتة منها او المتحركة  بشكل يجعل من شكل الصحيفة عاملا مؤثرا في جذب القراء والزوار والمستخدمين .
4-    استخدام الرسوم المتحركة في تحريك النص او الدخول الى الشاشة او الخروج منها .
5-    استخدام الفيديو الذي اصبح من اقوى عناصر الوسائط المتعددة تأثيرا في العملية التفاعلية .





فن الاخراج الصحفي
الاخراج الصحفي Make up هو تلك العملية التي يتم من خلالها عرض المضمون الصحفي الذي تحمله المادة التحريرية والاعلانية بعد كتابتها وتحريرها وتقديمه في شكل مناسب يروق لقارئ الصحيفة ، ولطبيعتها كوسيلة اتصالية مطبوعة لها سماتها المميزة ، ولها قراؤها ذوي الاهتمامات والميول والعادات الاتصالية التي تكشف عنها بحوث القارئية ، وفي ظل منافسات الوسائل الاتصالية الاخرى المطبوعة مثل الجريدة الاسبوعية والمجلة والكتاب وايضا الوسائل المسموعة والمرئية والالكترونية .
والاخراج الصحفي عملية تتضمن جانبين اساسين متلازمين ومتعاقبين : الجانب الاول هو عملية التصميم الاساسي Basic Design او المظهر العام للجريدة ككل وللصفحات كمكونات جزئية بحيث تعطي هوية مميزة للجريدة عن باقي مثيلاتها من الجرائد المنافسة ، والجانب الثاني هو توضيب هذه الصفحات Layout او توزيع المادة الصحفية عليها وتشمل العناوين والصور والرسوم والمتن التحريري والاعلاني وتحيد مواقع كل من هذه الموضوعات وحجمها والصور المصاحبة لها مع وسائل الابراز المختلفة وكيفية توظيف العناصر التيبوغرافية أي الطباعية المختلفة او لغة الشكل في الجريدة شاملة عناصر بعضها ثابت واخر متغير وتتضمن الترويسة ، الاذنين ، عناوين الابواب والاركان والصفحات والاجزاء الثابتة المتخصصة ورسوماتها المميزة والاشارات والفهارس وكلام الصور والرسوم اليدوية والجداول والاطارات والفراغات واللون (15).
ويقوم بعملية الاخراج الصحفي او تصميم الصحيفة وتوضيبها تحت اشراف رئيس التحرير او احد مساعديه او المدبر الفني او سكرتير التحرير الفني  ، وتتم هذه العملية في ضوء سياسة اخراج الصحيفة مع الاستعانة في التنفيذ بدليل  طباعي مع الامكانات المتوفرة لمطبعة الصحيفة ، ويتم ذلك على نموذج بحجم الصفحة الكامل او حجم مصغر يسمى ماكيت ، ثم ينفذ هذا الماكيت حسب اسلوب الجمع والطباعة توضيبا لحروف الرصاص كما في الطباعة البارزة او باللصق والتصوير والمونتاج وتحويل صورة الماكيت الى لوح طباعي كما في طباعة الاوفسيت والغائرة ، او يتم الاخراج بشقيه التصميم على ماكيت ثم التوضيب على شاشة على شاشة نهاية العرض الضوئي لجهاز الجمع التصويري المستعين بالحاسبة الالكترونية  ومن خلال برامج متخصصة في توضيب الصفحات ومعالجة المواد المصورة وهذا ما يعمل به الان في معظم الصحف الحديثة في العالم .
وتجري عملية الاخراج الصحفي وفقا لمفاهيم وتصورات حول الشكل الامثل للصحيفة المتوافق مع عادات القارئ واهتماماته وحركة عينيه وهي اما تصورات او مفاهيم تعتمد على الخبرة والتفكير الحدسي والتجارب الشخصية المتراكمة ، او على بحوث علمية تتضمن المقروئية والقارئية والدوافع وسيكولوجية القراء والجوانب الفسيولوجية  لعملية القراءة والرؤية وهذه بحوث متخصصة في دراسات السوق والجريدة والاخراج وعلم النفس والعلوم السلوكية .
وتجري الممارسات اليومية للإخراج الصحفي وفق مجموعتين رئيسيتين من المداخل والتصورات التقليدية والمعاصرة ، وتجري هذه الممارسات للصحف ذات الحجم العادي والاخرى النصفية فضلا عن الملاحق الاسبوعية .

اولا : المداخل التقليدية لإخراج الصحيفة اليومية (16)
1-    المضمون الصحفي هو الاساس ، في حين ان الشكل او المظهر فهو ثانوي انطلاقا من الانتباه الى المظهر قد يكون عمل غير منتج .
2-    الاخبار القصيرة السريعة هي قلب العمل الصحفي للجريدة في اطار سياسة التخلص من الممارسات الاخراجية التي تؤخر عملية توضيب الجريدة والصفحات.
3-    معالجة الصفحات كوحدة متكاملة تشترك مع كل العناصر في تناسق ووحدة وتناغم .
4-    تساعد العناوين على ترتيب اهمية المادة الاخبارية وتحديد قيمتها بشكل يرشد القارئ ويجب ات تكون العناوين معيارية ومقيدة ومحددة لتحقيق التناسق بينها .
5-    الصور الفوتوغرافية والرسوم تدعم المتن بشكل كامل .
6-    يجب ان تتشابه الصفحة الاولى كل يوم مع الايام السابقة والتالية لإكساب الجريدة شخصيتها من حيث المظهر .
اما المداخل والمدارس الفنية في الاخراج هي (17):
-         المدخل التقليدي او المدرسة التقليدية التي تقوم على اساس تحقيق التوازن التيبوغرافي أي توازن الاشكال المطبوعة على ورقة الصحيفة  ، انطلاق من ايمان هذه المدرسة بأن التوازن عنصر اساسي في الفنون التصويرية ، وتضم هذه المدرسة عدد من المذاهب الفنية الاخراجية التي تتميز بالهدوء والرتابة والبعد عن الاساليب الصارخة او المثيرة في عرض الاخبار .واهم مذاهب هذه المدرسة مذهب التوازن الدقيق ومذهب التوازن الشكلي التقريبي .
-         المدخل المعتدل او المدرسة المعتدلة التي تقوم على فكرة التحرر من التوازن الشكلي المفتعل ، وتهدف الى عرض المواد بما يتفق واهميتها النسبية في حدود الفكرة التي تبنى على اساسها الصفحة ، واهم مذاهب هذه المدرسة : مذهب التوازن الشكلي التقريبي ومذهب التربيع  ..
-         المدخل الحديث وعبرت عنه المدرسة الحديثة في الاخراج الصحفي وهي التحرر من أي تقليد تيبوغرافيا و قيد شكلي يبنى عليه شكل الصفحة ومن اهم مذاهبها مذهب التجديد الوظيفي ومذهب الاخراج الافقي ومذهب الاخراج المختلط .



ثانيا : المداخل المعاصرة لإخراج الجريدة اليومية
وهي امتداد للمدخل الحديث وتبلورت ممارساته الاخراجية منذ سبعينيات القرن الماضي ، واسفرت عن اربع مفاهيم رئيسية للإخراج الصحفي وهي :
1-    مفهوم اخراج الوحدات : يقوم على تنظيم الاخبار والموضوعات وترتيبها في Modules او وحدات يتكون كل منها من تصميم له وظيفة معينة فيمكن ان توضع قصة او مجموعة من القصص في وحدة معينة وتحاط بإطار او فصل بعض الوحدات عن بعضها واحاطتها ببياض كبير من جوانبها الاربعة ، ومن اجل استخدام افضل لهذا المفهوم تبقى الاخبار والموضوعات داخل مستطيل ليسهل تغييرها عند الضرورة ولا تحتاج للوضع داخل اطار .
2-    مفهوم الاحجام الفنية المنوعة : وتعود الى كلمة Grid وتعني نموذج من الخطوط المتقاطعة التي تكون مستطيلات ذات احجام واشكال منوعة ، ولا يركز هذا المفهوم على ان تكون قمة الصفحة ثقيلة كما في الاخراج التقليدي بل ان كل خبر يجب ان يحصل على معالجة تتفق مع قيمته الاخبارية ويحصل على فرصة جيدة للعرض . وتقسم الصفحة الى مجموعة من الوحدات غير المربعة وغير المتساوية راسيا وافقيا والى عدد من الاعمدة ، وعلى المحرر ان يقرر من هي الوحدة التي يريد ابرازها وبشكل مميز ويتحكم هنا المحرر بالصفحة بشكل كامل ولايترك شيء للمصادفة .
3-    مفهوم التصميم الكلي: يهدف الى العرض الدرامي للأخبار والموضوعات بشكل ملفت للنظر ، ويقوم المصمم بتجهيز عدد من النماذج المختلفة لتكون مناسبة مع اخبار وموضوعات اليوم ، ويضم التصميم للصفحات مساحات منسقة من الاشكال المستطيلة ذات الاتجاهات والاثقال المختلفة مع استخدام عنصري البساطة والسهولة في تصميم شكل الصفحة وتغيير شكلها في حالة عدم تناسبها مع الاخبار وتقليل عدد الاخبار والموضوعات داخل كل صفحة لإتاحة المجال امام مساحات الفراغ الابيض بين الاعمدة وبين العناوين والصور التي تصاحب الاخبار والموضوعات  فضلا عن استخدام اطارات ضخمة لتعزيز المتن والصور الموجودة داخلها .
4-    المفهوم المختلط : هو مزج الافكار الحديثة مع الافكار التقليدية في مجال الاخراج الفني للصحيفة لتحديث اخراجها وبشكل يتلائم مع توجهات الجمهور .
التطور الفني والتقني للصورة في الصحافة
تعد الصورة الصحفية من الرموز الاتصالية الاساسية التي يعتمد عليها وسائل الاعلام في صياغة رسائلها التي تتفق مع خصائص الجمهور ، فهي لا تعتمد على الرموز اللفظية ولكنها تعتمد على رموز اخرى غير لفظية لتأكيد المعاني والافكار التي تعكسها الرموز اللفظية وتنفرد بنقل معاني وافكار مستقلة في رسائل خاصة بها، أي لا يقف دورها عند وظيفة جذب انتباه القارئ أو أثارة اهتمامه ولكن يتم قراءة الرموز التي تتكون منها الصورة وماتح مله من افكار أو ما يجسد ابعاد مضافة أو يركز على شخصيات ووقائع معينة وغيرها من الوظائف الاتصالية . (18)
وهناك عدة وظائف تؤديها الصورة منها الوظيفة الاخبارية ومصاحبتها الى الاخبار والتقارير وبقية الانتاج الاعلامي ، ومنها الوظيفة السيكولوجية وهي قدرة الصورة على التأثير في افكار ومخيلة وعين القارئ وبالتالي شحن ذاكرته وأثارة اهتمامه ، والوظيفة الاخرى هي اعتبار الصورة عنصر تيبوغرافي ودخولها في الشكل العام للإخراج الصحفي للصحيفة واشتراكها مع حروف المتن والعناوين والفواصل والمسافات البيضاء في بناء جسم الصحيفة المعروف لدى الجمهور . وفضلا عن الوظيفة الجمالية التي تبعث الاهتمام وتجعل الصحيفة ذات مظهر يتسم بالحيوية والنشاط والتنوع والجاذبية . (19)
وكانت الصورة اول شيء لجأ اليه الانسان البدائي للتعبير عن نفسه وافكاره ، وكانت الحروف الهجائية في بداية اللغة على شكل صور الاشياء والطيور والحيوانات المحيطة بالإنسان ، وحتى اوائل القرن الثامن عشر كانت الصور ترسم يدويا على الورق او الحائط او الخشب او القماش وكانت في حينها تسجل مظاهر الحياة اليومية وتعبر عن احاسيس ومعتقدات الاخرين وتوضح معاني الكلمات ، وعندما جاءت الثورة الصناعية واخترعت الة التصوير وجاءت الصورة الفوتوغرافية نقلت الصورة نقلة نوعية خاصة وان الة التصوير كان لها امكانيات في تسجيل وتصوير الاحداث بطريقة تقنية عجزت حواس الانسان عن ادراكها ، لذا احتلت مكانة بين الفنون وادوات التعبير واصبحت تؤدي دورا مهما في الاعلام .
وعرفت الصحافة في اوربا وامريكا بين 1830-1850م عملية ادخال الصور مع الاخبار ومواضيع الصحف الاخرى ، وتمكنت اوربا من اكتشاف اكثر من طريقة لنقل الصور على الحجر ثم الزنك وطريقتين للطباعة هما الفوتوغرافور والاوفسيت ، وساهمت امريكا في تحسين وسائل طبع الصور.
واصبحت الصورة في مطلع القرن العشرين عنصرا مكملا للمادة المكتوبة في الصحف ، فلم تعد الصحف الصادرة حديثا دون صور متجاوبة مع عنصر المنافسة مع وسائل الإعلام الاخرى ، كما ان الجمهور اصبح لا يقتنع بأي رسالة او موقف الا ان يرى ذلك بعينه .(20)









فن التصوير الصحفي
شهد التصوير الصحفي تطورات كبيرة نقلته من الجمالية في الشكل والتكوين الى المرحلة الاعلامية كفن تطبيقي وظيفي يهتم بالقيم الاخبارية والصحفية والاحساس الاعلامي وقيم التصوير الصحفية فضلا عن اهتمام المصور في السبق الصحفي .وخلال النصف الثاني من القرن العشرين تطور فن التصوير الصحفي منها: (21)
1-    التغيير في محتوى الصحيفة حيث شهد مطلع القرن الماضي والى الاربعينيات عدم بروز الصورة وتأثراتها للجمهور حيث لم تكن الصحف تحمل اكثر من صورة او صورتين على صفحتها الاولى ، في حين شمل التغير بعد هذا التاريخ عدد الصور وحجمها وطبيعتها بل تم تخصيص صفحة او صفحات لبعض الصحف للصور فقط وهو دليل على ارتقاء الصورة ومعانيها وتأثيراتها لدى الجمهور والوسائل الاعلامية الاخرى.
2-    الزيادة في حجم الصور واتساع مساحة نشرها وفق مقتضيات الاخراج الصحفي او الشكل الفني للصحيفة .
3-    التغيير في طبيعة الصور من خلال تنوع موضوعاتها وقد كان للتحسينات التي طالت اجهزة التصوير وزيادة مميزاتها الاثر الكبير في نجاح الصورة وتأثيراتها على الجمهور ، وحتى استخدام اللقطات المحظورة لبعض الموضوعات وتوظيفها اعلاميا كان له دور في زيادة رقعة مشاركة الصورة في جذب الاهتمام والتأثير بالقراء مثل نشر صور الحوادث والصدامات والاعتقالات والمشاجرات وحتى الكوارث .
4-    اكتشاف وسائل جديدة لتحويل الصورة الى انماط ظلية ( كليشيهات ) مما سمح لطباعة الصورة في ماكينات طباعة عالية السرعة الامر الذي ساهم بانتشارها مع تطور انواع احبار الطباعة والورق .
5-    مع دخول وسائل الاعلام عصر التقنية والاعلام الجديد وسيادة هيمنة الأنترنت اصبحت الصورة ضمن الوسائط المتعددة التي لا تستغني عنها المواقع الالكترونية المختلفة ولا يمكن تصور عدم وجودها في الشبكة العالمية حيث ساهمت البرامج والتطبيقات التقنية في زيادة الاهتمام بالصورة وجعلها القاسم المشترك لكل ما يطرح عبر الانترنت . واصبحت سيميائية الصورة من اهتمامات المختصين والجمهور في ايصال مختلف الرسائل التواصلية للآخرين .





الخاتمة
الصحافة التقليدية في حلتها الجديدة
من خلال تقديمنا الى موضوع التطور الفني والتكنولوجي للصحافة من حيث الشكل والمضمون واستخدام الاجهزة والمعدات الخاصة بعملها وتأثير ذلك على الانتاج الصحفي ومرورا بتطور شكل الصحيفة منذ القدم والى وقتنا الحاضر سواء كانت على الورق او الكترونيا ، يمكن لنا التعرف على بعض الامور الخاصة بالتطور الفني والتقني للصحافة في ظل الواقع الجديد والتقنيات الحديثة في العالم عما كانت عليه سابقا منذ النشأة والتطور وهي :
1-    وجود اتجاهات للعلاقة بين الصحافة المطبوعة والالكترونية وتتمثل هذه الاتجاهات بوصف الامكانات المتاحة لكلاهما سابقا وحاليا وهل يمكن ان تحل احداهما مكان الاخرى فضلا عن الاندماج الذي يمكن ان يحصل بينهما وتأثيره في الانتاج الصحفي.
2-    ان كل الوسائل الاتصالية الموجودة سابقا وحاليا لم تستطع الغاء دور الصحافة في المجتمع ولا الغاء جمهورها او تقليل اهميتها ودورها في العالم ، بل كان هناك تغير في طرق عملها وادوات انتاجها لمواجهة التنافس مع الوسائل الاخرى .
3-    حدثت تطورات في الصحافة من الناحية الفنية والتقنية خلال عمرها والى وقتنا الحالي منها ما يتعلق بعمليات التحرير الصحفي وايجاد قوالب صحفية جديدة ولغة اخبارية تتضمن مهارة لغوية عالية في ضوء عوامل السرعة والوقت والتنافس على السبق الصحفي ، كما شهدت تطورات في الاخراج الصحفي للصحيفة والاعتماد على اكثر من مدرسة وتوجه في الاخراج تبعا لتطورات العملية الاعلامية ورغبات الجمهور والمنافسة .
4-    حدوث تطورات في استخدام ما يعرف بالوسائط المتعددة التي كانت سابقا لا يدخل منها الفيديو والصوت والرسوم المتحركة ، حيث تطورت مراحل استخدام الصورة التي تعد من اساسيات الصفحة من الصورة العادية الى الملونة بأحجامها المختلفة فضلا عن تغير اماكن وجودها داخل الصفحات ، والامر ذاته يعود الى النص والرسوم اليدوية التي كانت ترسم من قبل رسامين وتنفذ في صفحات الجريدة الى ما موجود حاليا من تقنيات ساهمت بتطوير الشكل الفني والتحريري للصحافة المطبوعة.
5-    وجود اكثر من توجه ومدرسة اخراجية تستخدمها الصحيفة المطبوعة وربما بشكل يومي فلم يعد الشكل التقليدي يؤثر في الجمهور في ظل التطورات التقنية الحديثة بل الركون الى استخدام اكثر من طريقة لا لإلغاء الشكل بل لتطويره بما ينسجم والتوجهات الجديدة للإعلام الالكتروني وهو ما ينسحب على الصحافة المطبوعة ، واصبح المصممين لهم رؤيتهم الاخراجية للصفحات باستخدام خبراتهم والبرامج الالكترونية التي تساعد على ايجاد اشكال تصميمية جميلة .
6-    استفادة الصحافة المطبوعة من الفضاء الالكتروني للخروج من نطاق المحلية الى العالمية وجذب فئات جديدة من الجمهور بمختلف ثقافاته وتوجهاته ، فضلا عن الاستفادة من التقنيات الخاصة بحجم وشكل الصحيفة وايجاد ابواب وخدمات جديدة تقدم الى الجمهور لم يكن بالمستطاع تقديمها في الطبعة الورقية .
المصادر:
1-    محمود حسن اسماعيل ، مبادئ علم الاتصال ونظريات التأثير ، القاهرة ، الدار العالمية للنشر والتوزيع ، 2003
2-    محمود حسن اسماعيل ، مصدر سابق
3-    عبد الرزاق الحسني ، تاريخ الصحافة العراقية ، ج1، ط3، لبنان ، مطبعة العرفان ، 1971
4-    عصام سلمان الموسى ، المدخل الى الاتصال الجماهيري ، ط5، عمان ، مكتبة الكناني ،2002
5-    رياض سليمان خالد ، كيف تطورت طباعة الصحف ؟ ، استرجعت من الانترنت بتاريخ 30/11/2014 www. Albahhar.com
6-    اياد شاكر البكري ، تقنيات الاتصال بين زمنين ، ط1، عمان ، دار الشروق ،2003
7-    عباس مصطفى صادق ،الصحافة والكومبيوتر ،ط1، الدار العربية للعلوم ، لبنان ، 2005
8-    جبار محمود ،الاعلام وافاق تحديث وسائلة التكنولوجية ، مجلة النبأ ، العدد 50، تشرين الاول 2000
9-    الصادق الرابح ، الاعلام والتكنولوجيات الحديثة ،دار الكتاب الجامعي ، العين ، الامارات ،2004
10-                      بشرى الحمداني ، تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في الصحف المطبوعة ، ط1، دار الرائد للطباعة والنشر والتوزيع ، بغداد ، 2011
11-                      محمود علم الدين ، اساسيات الصحافة في القرن الحادي والعشرين ، ط2 ، القاهرة ، 2009
12-                      عباس مصطفى صادق ، التطبيقات التقليدية والمستخدمة للصحافة العربية في الانترنت ، جامعة الشارقة ، 2005
13-                      عبد الامير الفيصل ، الصحافة الالكترونية ، مؤتمر صحافة الانترنت ، الشارقة ، 2005
14-                      عبد الحميد بسيوني ، استخدام وتاليف الوسائط المتعددة ، القاهرة ، دار الكتب العلمية ، 2005
15-                      محمود علم الدين ، مصدر سابق .
16-                      محمود علم الدين ، الاخراج الصحفي ، العربي للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1989
17-                      طلعت همام ، مائة سؤال عن الاخراج الصحفي ،دار الفرقان للتوزيع والنشر ، عمان ، 1984
18-                      محمد عبد الحميد والسيد بهنسي ، تاثيرات الصورة الصحفية ، النظرية والتطبيق ، القاهرة ، عالم الكتب ، 2004
19-                      محمود علم الدين ، الصورة الصحفية – دراسة فنية ، العربي للنشر والتوزيع ، القاهرة
20-                      سعيد الغريب النجار ، التصوير الصحفي العلمي والرقمي ، القاهرة ، الدار المصرية اللبنانية ، 2008
21-                      محمود علم الدين ، الصورة الصحفية دراسة فنية ، مصدر سابق .






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نظريات التأثير الإعلامية

تحليل المضمون في الاعلام

الانترنت والسياسة