قراءة في كتاب كواليس الدعاية الامريكية
قراءة في كتاب كواليس الدعاية الامريكية
يستعرض المؤلف عبد الحليم حمود في كتابه
الموسوم ( كواليس الدعاية الامريكية ) الصادر عن دار الهادي للطباعة والنشر في
بيروت عام 2008 صور عديدة من الغزو الفكري الأمريكي للعالم بما فيها أمريكا نفسها من
خلال أدوات تحتاج الى ذكاء ودهاء متقدم تستغل وسائل الاتصال والاعلام ومن خلالها
تدس ملايين الرسائل الدعائية التي ترمي الى تحقيق اهداف السياسة الامريكية المعلنة
منها والسرية .
ويبين المؤلف في كتابه المكون من 196 صفحة من
القطع الصغير العديد من الأمثلة على الدعاية الامريكية وكيفية تعاملها مع العديد
من الاحداث المحلية والعالمية التي ترى الإدارة الامريكية انها تهم الشأن العالمي مثل حرب الخليج الثانية وأفغانستان والغزو
الأمريكي للعراق والنظرة الى الهيمنة الإيرانية والتهديدات لإسرائيل موضحا ان هناك
من الصروح الإعلامية في أمريكا شاركت البيت الأبيض غزواته وحملاته ولكن من ناحية
دعائية حيث ان الإدارة الامريكية لا تكتفي فقط بهذه المشاركة بل تعمد الى تمويل
مؤسسات إعلامية قائمة او تأسيس وسائل أخرى بهدف ادامة الزخم الإعلامي والدعائي
مستفيدة من تكنولوجيا الاتصال والاعلام ووجود اخر التقنيات المستخدمة في الفضائيات
او وكالات الانباء او الإذاعات او المواقع الالكترونية .
وتعتمد الإدارة الامريكية في دعايتها على
العنوان التجميلي لكثير من الأساليب والاهداف التي تريد الوصول اليها واحيانا
تستخدم الأسلوب الهجومي لتشويه الاخر فبعد ان كان التشويه يطال كل شيء سوفياتي او
صيني او فيتنامي اصبح الان يطال المسلمين والإسلام بلا منافس حيث نرى الاذرع
الدعائية والإعلامية الامريكية والمساندة لها تهيمن على العالم إعلاميا بشكل احادي
وتكيل الاتهامات الى المسلمين في مناسبة او غير مناسبة .
ورصد الكتاب العديد من المعلومات والآراء
العربية والعالمية التي رصدت أنواع عديدة من الدعاية الامريكية خلال وسائل الاعلام
والانترنت ويعطي نظرة أمريكية صرفة
للتعامل مع موضوعي الدعاية والرأي العام بشكل يجعل منها أدوات ناجحة لمنظومته
الإعلامية المرادفة لسياسته في العالم ، ويذهب المؤلف الى مقولة المفكر الأمريكي
نعوم تشومسكي بان التاريخ مرهون وممتلك من قبل الفئات المتعلمة فهم القيمون والمؤتمنون
على التاريخ وهم الناس الموجودين في
الجامعات الذين يقومون بصياغة كتابة الماضي لنا كما يريدون ، ومن هذه المقولة
تنطلق الرسائل الإعلامية الدعائية الامريكية داخليا وخارجيا رغم وجود المشكلات
الاجتماعية والاقتصادية التي يبلغ بعضها
حد الكارثة في أمريكا .
ويستعرض المؤلف في كتابه العديد من النماذج
الدعائية الامريكية من خلال انشاء وكالة الامريكية للاستعلامات عام 1953 التي وجهت
للاتصال الخارجي الرسمي مع زيادة النفوذ الأمريكي وتوسع مشروعه في الخارج خاصة في
اعقاب الحرب العالمية الثانية واستخدام الاخبار
الكاذبة والروايات الملفقة والشائعات كأدوات للتضليل الإعلامي ومنها تسميم العقول في
الحرب النفسية – السياسية الذي تعدى النطاق العسكري ليحتل مركز الصدارة بين أسلحة
التجسس الفتاكة في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتربوية .
ويستعرض الكتاب مرحلة أخرى بدأها الاعلام
الأمريكي بعد هجمات 11 أيلول خاصة بعد ظهور الداخل الأمريكي على حقيقته وان
القيادة السياسية لم تعد تمتلك الزمن الذي يمكنها من استعادة القلعة
الامريكية الامنة كما كانت تصورها للعالم
اجمع ، فبعد 6 أسابيع من هجمات أيلول صوت الكونغرس الأمريكي على قانون اللائحة
الوطنية الذي اعطى للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سلطات واسعة وغير مسبوقة في
مراقبة من يشاؤون من الناس واعتقالهم وبدأ معها الاعلام الأمريكي يوجه الناس الى
ضرورة التبليغ عن أي سلوك مريب حماية للأمن الأمريكي ، ومعه بدا أسلوب تسريب
الاخبار عن هجمات أيلول بشكل مدروس ومطبق بعناية ومع بداية عام 2002 بدأت الإدارة
الامريكية بتشكيل وحدة متخصصة في تزويد العالم بالأخبار المزيفة مقرها في
البنتاغون .
وعن هيمنة الامريكان على الانترنت هناك من
سمى هذه الهيمنة ب ( عنكبوت الشبكة العنكبوتية ) دلالة على ان الانترنت صناعة
واختراع امريكي في زمن الحرب الباردة وهم المسيطرين بشكل وباخر عليه وبدأ معه استخدام
تطبيقات الانترنت المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي كأنواع لبث الدعاية الامريكية
التي اصبح فيها الانترنت ساحة للصراع والتجاذبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية خاصة بعد تسارع عملية العولمة وظهور تحديات تهدد استقلال الثقافات
الوطنية وتنوعها مما دفع العديد من الدول للدفاع عن موروثها الثقافي والحضاري تجاه
الهجمة الدعائية الإعلامية الامريكية .
وفي نهاية الكتاب يخلص المؤلف الى حقيقة ان
الدعاية الامريكية نجحت في بعض المفاصل المحدودة ولكن الفشل كان حليفها في اغلب
الأحيان في العالم العربي حيث تبقى الصورة الامريكية رمزا للهيمنة والابتلاع
والتوسع .
تعليقات
إرسال تعليق